الحصبة: مرض معدي شديد الخطورة وتأثيراته الصحية

مقدمة

تُعتبر الحصبة من الأمراض المعدية الحادة التي تصيب الجهاز التنفسي، وتنتج عن فيروس ينتمي إلى عائلة الفيروسات الموربيليفيروس (Measles virus). على الرغم من أن الحصبة مرض قديم، إلا أنها لا تزال تمثل تهديدًا صحيًا عالميًا، خاصة في المجتمعات التي تعاني من ضعف التغطية بالتطعيمات. ينتقل الفيروس بسهولة عبر الرذاذ التنفسي من الشخص المصاب إلى الأفراد غير المحصنين، ما يجعل السيطرة عليها تحديًا كبيرًا للصحة العامة.

تتمثل خطورة الحصبة في شدة أعراضها، وسرعة انتشارها، وإمكانية تطور مضاعفاتها إلى حالات صحية خطيرة تهدد الحياة، لا سيما عند الأطفال دون سن الخامسة، وكبار السن، والأشخاص ذوي المناعة الضعيفة.

أسباب الإصابة بفيروس الحصبة

فيروس الحصبة هو العامل المسبب الأساسي للمرض، وينتقل من خلال استنشاق قطرات رذاذ صغيرة حاملة للفيروس تصدر عند السعال أو العطس من قبل شخص مصاب. يمكن أن يبقى الفيروس في الهواء أو على الأسطح لفترة زمنية محدودة، مما يزيد من احتمالية انتقال العدوى.

يُعد نقص التطعيم أو عدم الحصول على جرعتين من لقاح الحصبة-النكاف-الحصبة الألمانية (MMR) العامل الرئيسي في تفشي المرض، بالإضافة إلى ظروف المعيشة المزدحمة والفقيرة التي تسهل انتقال العدوى.

مراحل تطور المرض

تمر الحصبة بعدة مراحل تبدأ من فترة الحضانة التي تتراوح بين 7 إلى 14 يومًا، وهي الفترة بين التعرض للفيروس وظهور أول الأعراض، حيث يكون الشخص غير معدي في هذه المرحلة.

1. فترة الأعراض المبكرة (المرحلة الأولية)

تبدأ الأعراض بشكل تدريجي وتشبه أعراض الإنفلونزا، وتشمل:

• ارتفاع درجة الحرارة بشكل مفاجئ

• سعال جاف ومتكرر

• التهاب الحلق

• سيلان الأنف

• احمرار العينين وحساسية الضوء

تستمر هذه الأعراض من 3 إلى 5 أيام.

2. ظهور الطفح الجلدي

بعد ظهور الأعراض الأولية، يبدأ الطفح الجلدي بالظهور، ويتميز بكونه طفحًا أحمر اللون يبدأ عادةً خلف الأذنين أو عند فروة الرأس، ثم ينتشر تدريجيًا إلى باقي الجسم خلال 3 إلى 5 أيام. يكون الطفح على شكل بقع متصلة أو متفرقة، ويرافقه حكة وتورم طفيف.

3. فترة النقاهة

بعد حوالي أسبوع من ظهور الطفح، تبدأ الأعراض بالتحسن تدريجيًا، مع انخفاض الحرارة واندثار الطفح. ومع ذلك، قد يستمر التعب لفترة أطول.

الأعراض التفصيلية للمرض

تختلف حدة أعراض الحصبة بين شخص وآخر، لكنها غالبًا ما تتضمن مجموعة من العلامات الأساسية:

• الحمى الشديدة التي قد تصل إلى 40 درجة مئوية.

• الطفح الجلدي الذي يتصف بكونه متعدد البقع الحمراء، ويبدأ عادةً في الوجه والرقبة ثم ينتشر إلى الصدر والأطراف.

• الكحة الجافة المستمرة التي قد تؤدي إلى مضاعفات رئوية.

• التهاب ملتحمة العين، والذي يسبب احمرار العين وحساسية الضوء.

• بقع كوبليك: وهي بقع بيضاء صغيرة تظهر داخل الفم على اللثة أو داخل الخدين، وتعد علامة مميزة لمرض الحصبة.

مضاعفات الحصبة

رغم أن بعض الحالات تشفى دون مضاعفات، إلا أن الحصبة قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة تهدد الحياة، خاصة في الأطفال الصغار والأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، وتشمل المضاعفات:

• التهاب الرئة (الالتهاب الرئوي): أكثر مضاعفات الحصبة شيوعًا، وهو السبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالحصبة.

• التهاب الدماغ (التهاب الدماغ الحصبي): يحدث عند 1 من كل 1000 حالة حصبة، ويمكن أن يؤدي إلى تلف دماغي دائم أو الوفاة.

• التهابات الأذن الوسطى: تسبب ألمًا شديدًا وقد تؤدي إلى فقدان السمع.

• الإسهال الحاد والجفاف: خاصة عند الأطفال الصغار.

• تدهور المناعة: حيث يضعف الفيروس جهاز المناعة مؤقتًا، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض أخرى.

الفئات الأكثر عرضة للإصابة والمضاعفات

• الأطفال تحت سن الخامسة: بسبب ضعف المناعة وعدم اكتمال التطعيم.

• الحوامل: حيث يمكن أن تؤدي الحصبة إلى مضاعفات خطيرة للأم والجنين.

• الأشخاص المصابون بأمراض مناعية مزمنة.

• الأشخاص غير المطعمين أو ذوي التغطية التطعيمية غير الكاملة.

التشخيص الطبي للحصبة

يستند التشخيص أساسًا إلى الفحص السريري المبني على ملاحظة الأعراض، وخصوصًا الطفح الجلدي المميز وبقع كوبليك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إجراء الفحوص المخبرية لتأكيد التشخيص عبر:

• فحص دم للكشف عن الأجسام المضادة لفيروس الحصبة (IgM وIgG).

• الكشف عن المادة الوراثية للفيروس باستخدام تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR).

• أخذ مسحات من الحلق أو الأنف.

طرق الوقاية من الحصبة

تُعتبر التطعيمات الطريقة الأكثر فعالية للوقاية من الحصبة، وتُعطى عادة على شكل لقاح ثلاثي ضد الحصبة، النكاف، والحصبة الألمانية (MMR). تشمل استراتيجية التطعيم:

• الجرعة الأولى تعطى للأطفال بين عمر 9 إلى 12 شهرًا حسب توصيات البلد.

• الجرعة الثانية تعطى بين عمر 15 إلى 18 شهرًا لضمان المناعة الكاملة.

• في حالات تفشي المرض أو لدى غير المطعمين، يُنصح بالحصول على اللقاح في أقرب فرصة.

بالإضافة إلى التطعيم، تساعد الإجراءات التالية في الحد من انتشار المرض:

• العزل الفوري للمصابين خلال فترة العدوى.

• غسل اليدين بانتظام.

• تغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس.

• التهوية الجيدة للأماكن المغلقة.

العلاج والرعاية الطبية

لا يوجد علاج مباشر لفيروس الحصبة، وإنما يركز العلاج على تخفيف الأعراض ومنع المضاعفات، ويشمل:

• الراحة التامة لتقليل إرهاق الجسم.

• تناول السوائل بكثرة لمنع الجفاف.

• استخدام خافضات الحرارة مثل الباراسيتامول لتخفيف الحمى.

• في بعض الحالات قد يصف الطبيب فيتامين أ الذي ثبت أنه يقلل من شدة المضاعفات خاصة عند الأطفال.

• علاج المضاعفات بالمضادات الحيوية عند حدوث عدوى بكتيرية ثانوية مثل التهاب الرئة.

الحصبة وأثرها على الصحة العامة

تُعتبر الحصبة من الأمراض التي كان لها تأثير عالمي كبير، حيث كانت تسبب ملايين الوفيات سنويًا قبل إدخال لقاح الحصبة في منتصف القرن العشرين. وبفضل حملات التطعيم المكثفة، انخفضت نسبة الإصابة والوفيات بشكل كبير، لكن عودة ظهور تفشيات الحصبة في بعض المناطق تعود إلى:

• ضعف التغطية التطعيمية.

• مقاومة بعض المجتمعات للتطعيمات.

• الهجرات والنزوح التي تضعف أنظمة الرعاية الصحية.

• نقص الوعي الصحي.

يُظهر التاريخ الطبي والاجتماعي للحصبة أهمية الاستثمار المستمر في برامج التطعيم والتعليم الصحي للحفاظ على المكاسب السابقة ومكافحة المرض بفعالية.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين الحصبة وأمراض فيروسية أخرى من حيث العدوى، الأعراض، وطرق الوقاية:

الخلاصة

الحصبة مرض فيروسي شديد العدوى يمكن أن يسبب مضاعفات خطيرة ومهددة للحياة إذا لم يتم التعامل معه بشكل سريع وفعّال. تلعب اللقاحات دورًا حيويًا في تقليل انتشار المرض وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر. من خلال تعزيز الوعي الصحي وتحسين تغطية التطعيم، يمكن السيطرة على الحصبة والحد من تأثيرها على الصحة العامة، مما يسهم في تحسين جودة الحياة وتقليل الوفيات المرتبطة بها حول العالم.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO). الحصبة: معلومات أساسية.

2. مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). الحصبة (Measles) – معلومات شاملة.